وردة تسقى سراب الأحلام

 

 

عبد الرحمن

هناك في ركن ما من هذه الأرض حيث الأنفة والكبرياء والشهامة والطهر والسنا والسجود كانت صرخة فتاة بريئة براءة الذئب من دم يوسف.   أطلقت صرختها الأولى كأنما أحست بالعلقم الزعاق الحنظل الذي ستشرب، ترعرعت الفتاة في جو هادئ مسالم كحمامات الأيك في قبة قصر هارون الرشيد، حباها الله سبحانه وتعالى بوجه وضاء فاتن يأسر الألباب ويشرح صدور الناظرين وقوام أية في الحسن والتناسق ودماثة خلق عجيبة وتواضع وحياء كالأميرات في الصغر.   دارت عجلات الزمن البريء ودارت معها قصة تلك الأيقونة بين شفاه كل الغواني والعجائز والرجال شبابا وشيبا وأصبح من المعتاد عند أهل الحي زيارة أهلها كل صباح لا لشيء إلا لسرقة نظرة أو بسمة من ثغر تلك البريئة، والتي لم يعرف  الوجد لقلبها طريقا.   كانت والدة  تلك الفتاة تخشي عليها من قلوب القوم الذين قد تقلبهم عواطفهم، فضربت أخماسا في أسداس، وقررت أن تقبل بتزويج تلك الريحانة من شيخ هرم يبلغ من العمر عتيا جمع مالا وثيرا أيام شبابه، عبثت السنين بوجهه وخطت بين نواصيه ألف سطر وسطر من قصيدة معاناة رجل من أجل المال.   تم الزواج، لكن كانت القاصرة البريئة ضحية وعاشت في جحيم وفي نهاية المطاف كان حظها طلاق وبنت في يديها لا تدر ى متى أنجبتها وسياط نقد اجتماعي لاذعة تضرب ظهرها وتقول أنت مجرمة أفسدت بيتك وانقلب الحال، صارت الريحانة الجميلة في عيون الحي عجوزا شمطاء لا يجوز النظر فيها، واصلت تجرع كاسات الألم تلك حتى ظهر شاب استغل جرحها العميق وعزف لها لحن حب مزيف فصدقته ببراءة الطفولة فسقاها سرابا بقيعة يحسبه الظمآن ماء، فكانت صدمة عنيفة هزت كيانها الممزق بعد هنيهة جاء آخر وتزوجها، وبعد أيام اكتشفت أن قلبها لا يخفق له وتفاقمت حالتها النفسية وأصبحت بين خيارين الصبر على عيشة أمر من الحنظل أو لعنة المجتمع ثانية، فاختارت أن تحرق نفسها بالبقاء مع ذاك الزوج، إرضاء لمجتمع لا يتفهم ظروف وردة بريئة ولا يعطيها حق الشعور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى