سيناء والحرب المفتوحة على الإرهاب ”الإخواني”… بقلم: الكاتب الصحفي : مصطفى قطبي .

 

من المؤسف أن تكون سيناء حالياً هي المنطقة الرخوة في الجسد المصري رغم ما دفعه المصريون من دماء وأرواح أبنائهم لأجل تحرير هذا الجزء الاستراتيجي في الخريطة المصرية من الاحتلال الإسرائيلي، حيث تشهد مناطق عدة في سيناء هجمات إرهابية منظمة على مراكز ونقاط أمنية ومصالح حيوية أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من عناصر الجيش والشرطة إلى جانب عشرات المسلحين.

 

وفي أسوأ حادث يتعرض له جنود مصريون في سيناءفقد استهدف هجوم انتحاري دامي الجيش في شمال سيناء الجمعة الماضي، مودياً بحياة ثلاثين جندياً وإصابة أكثر من 31 آخرين وتدمير مدرعتين للجيش بالكامل. وحادثة الاعتداء على الجنود المصريين في سيناء، وان كانت ليست الأولى من نوعها، لكنها الأكثر دموية والأشد خطورة، وما يضاعف من دلالتها أنهاتأتي في عهد حكم جديد ورئيس جديد في مصر،ما جعلها محطنظر الكثير من الجهات لمراقبة طبيعة رد الفعل المصري.

 

فقد اتخذت مصر إجراءات سريعة بينها فرض حال الطوارئ في قسم من شمال ووسط شبه جزيرة سيناء لثلاثة أشهر وكذلك فرض حظر التجول في المنطقة مع إغلاق معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة إلى اجل غير مسمى.

 

وقبل البدء في إلقاء الضوء على الصورة الملتبسة في سيناء التي يجري بالتدريج وبشكل ممنهج تحويلها إلى ساحة حرب وبؤرة في خاصرة المصريين تستنزف بلادهم وجيشهم وثورتهم، لابدّ من الإشارة إلى أن الجيش المصري هو أحد الجيوش العربية الأخيرة التي لا تزال تحتفظ بقوتها العسكرية وتماسكها، وترى أن ”إسرائيل” وجيشها هما العدو، رغم مرور أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً على ”كامب ديفيد” تلك الاتفاقية المشؤومة التي عزلت مصر، وأبعدتها عن بيئتها العربية الطبيعية، وكبلتها بقيود ثقيلة وصعبة، سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً وثقافياً، أو بقيود تبعيّة متعددة الأطراف للولايات المتحدة الأميركية تمنع الدولة المصرية من القيام بدورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي الطليعي المفترض على الصعيدين الإقليمي والعربي، وتحولها إلى مجرد ظل ومنفذ للسياسات الأميركية ومخططاتها في المنطقة في عهدي ”السادات” و”مبارك” على مدى أربعين عاماً خلت، وحتى في عهد حكم الرئيس المعزول ”مرسي” وجماعة الإخوان المسلمين عموماً.

 

لقد تحولت سيناء والممر الأمني الرخو المرتبط بها والممتد من شرم الشيخ والغردقة إلى طابا وإيلات والعقبة إلى وجهة وهدف الجماعات التكفيرية التي تستفيد من انفتاح المنطقة على الصحراء والبوادي العربية والأفريقية والبحر الأحمر، وتداخل القبائل وتمازج الأنساب في المنطقة، فضلاً عن مشاطأة ست أو سبع لهذه المنطقة المترامية.


وزاد الطين بلة، وقوع الانقلاب السياسي في غزة نتيجة انتخابات عام 2006 وما تلاه ونتج عنه من أعمال عدوان وحصار على القطاع، ما أنتج شبكة من القنوات التحتية سهلت وظيفة التواصل بين من يسمون ”جهاديي البلدين”، مروراً بانهيار نظام العقيد القذافي، وانفتاح بوابات مستودعاته العامرة بكل أنواع السلاح والذخائر، أمام الحركات السلفية والمهربين وتجار السلاح، وصولاً إلى حكم الرئيس المعزول ”محمد مرسي” ومجيء الإخوان والسلفيين إلى قمة السلطة في مصر، الأمر الذي أفضى إلى خروج مئات الجهاديين من السجون المصرية، وتحوّل سيناء إلى قبلة أنظار هذه الجماعات، التي وإن كانت على خلاف عقائدي مع الإخوان، فإنها عرفت، وهم عرفوا أيضاً ـ كيف يتبادلون المنافع الخاصة، ويسندون بعضهم بعضاً فيما يسمونه ”الشدائد” ”مراحل التحول الكبرى”.

 

منذ أن أقصى الشعب المصري من خلال مسيراته التي ضمت عشرات الملايين جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة في مصر لأسباب باتت معروفة لدى الجميع، وفي مقدمتها: استئثارهم بالسلطة، وإبعادهم للفئات المصرية التي قامت بالثورة ضد نظام حسني مبارك ومن ثم سعيهم خلال عام من حكمهم في ظل رئاسة مرسي إلى ”أخونة الدولة” وفرض قيود على الشعب المصري تجاوزها الزمن منذ ذلك الوقت ازدادت أعمال التخريب والاعتداءات على القوات العسكرية والأمنية في سيناء من قبل آلاف التكفيريين…

 

كثيرون منهم من غير المصريين وبعضهم من منظمة حماس وأنصارها بهدف مساندة فلول الإخوان المسلمين الذين يحاولون عن طريق العنف العودة إلى السلطة في مصر رغم أن الشعب المصري بأغلبيته العظمى رفضهم، ولفظهم من بين صفوفه إلى غير رجعة، وتالياً اضطر الجيش المصري والأمن المصري إلى التصدي في حرب مفتوحة لهؤلاء الذين يسمون أنفسهم ”جهاديين”، بينما هم مجموعات من المرتزقة والإرهابيين الذين وظفتهم أجهزة خارجية أميركية وأوروبية وخليجية وتركية لإزعاج الجيش المصري واستنزاف قدراته خدمة ”لإسرائيل” وأسيادها في واشنطن، بخاصة أن الإدارة الأميركية والعواصم الغربية والإقليمية والعربية الحليفة لها تعمل في السر والعلن على مساندة فلول جماعة الإخوان المسلمين على أمل أن يعودوا إلى السلطة.


لهذا، تسعى السلطات العسكرية والأمنية المصرية إلى تجفيف منابع تسلّح وتسلّل هذه الجماعات المسماة جهادية، وسط معلومات تشير إلى أن أعدادهم تزداد لتصل إلى الآلاف، كثير منهم كما أشرنا غير مصريين، وبعضهم من منظمة ”حماس” حليفة الرئيس المخلوع أو المعزول ”مرسي” وحليفة ”أردوغان”.


ووفقاً لمصادر مصرية عديدة وموثوقة، فإن رائحة الاستخبارات الغربية والإقليمية والقطرية في سيناء تكاد تزكم الأنوف، فأعداء مصر ينظرون إلى سيناء كخاصرة ضعيفة لمصر، ولهذا لم يكن غريباً أن يشرع خصوم النظام ومريدو الإخوان المسلمين ومؤيدوهم في الضغط على هذه الخاصرة، وإطلاق النار بغزارة على جبهاتها المترامية بدءاً من صبيحة اليوم التالي لحكم ”مرسي” وجماعة الإخوان المسلمين ظناًَ منهم أن الحرب على الحكم الجديد في مصر بعد ”مرسي” وعلى المؤسسة العسكرية المصرية العريقة ستكون فعالة أكثر، إن هي انطلقت من عمق سيناء، وعمت أرجاءها، مخلّفة وراءها الموت والدمار والخراب لها ولأهلها الأبرياء.

 

وتؤكد المصادر الموثوقة والوقائع على الأرض أن هؤلاء التكفيريين الذين يعيثون قتلاً وإرهاباً في سيناء، ويقومون بهجمات انتحارية ضد الجيش المصري وقواه الأمنية، هم أنفسهم الذين يرسلون الانتحاريين والمرتزقة وبقايا تنظيم القاعدة والسيارات المفخخة إلى شوارع بغداد، وهم أنفسهم داعمو جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام اللتين تقومان بأعمال القتل والتدمير والسرقة والمجازر في سورية، وتستجديان بالتنسيق مع ما يسمى الجيش الحر ومرتزقة الخارج ”ائتلاف الدوحة وغيره” التدخل العسكري الأميركي والأطلسي في سورية على النحو الذي جرى في ليبيا…

أهدافهم هي ذاتها: تدمير مؤسسات الدولة، وضرب الاستقرار فيها، وإشاعة حالة من الفلتان الأمني المستدام بما يوفر الجو المناسب لنشاطات الميليشيات المسلحة المرتبطة بأجهزة المخابرات الغربية والإقليمية، وإشغال الجيوش العربية الرئيسة عن مهامها الوطنية والقومية وإعداد نفسها لمواجهة ”إسرائيل” ومخططات الهيمنة الأميركية على المنطقة، بخاصة الجيشين السوري والمصري، إشغال هذه الجيوش بحروب شوارع، وأعمال بوليس لا فكاك منها لحماية مواطني بلادها ومؤسساتها، وتالياً استنزاف القدرات القتالية لهذه الجيوش وللأجهزة الأمنية بما يخدم ”إسرائيل” بالدرجة الأولى، ومن دون أي اكتراث بمستقبل البلاد والعباد أما أدواتهم فهي ذاتها كذلك، أدوات قذرة وإجرامية: الاغتيال والتفجير والتفخيخ للسيارات، من دون أي حساب لعواقب وتداعيات ذلك على الشعب وعلى مؤسسات الدولة وعلى جيشها وقواتها الأمنية.

 

لا شك في أنه من حق الدولة المصرية أن تستأصل الإرهاب من سيناء ومن كل أنحاء مصر، فإرهابيو سيناء أكثرهم من الخارج، أي ليسوا مصريين وإنما استقدموا إلى سيناء من جهات معروفة غربية وتركية وعربية بهدف استنزاف مصر وجيشها، ومساعدة جماعة الإخوان المسلمين للعودة إلى السلطة.


ولكن إلى جانب هذا الخيار الأمني الذي لا يعترض عليه أحد، أو بالأحرى أي عربي شريف، يجب على السلطات المصرية الجديدة إعارة المزيد من الاهتمام للظروف الاقتصادية والاجتماعية فيها، بمعنى الاهتمام بالتنمية والتوعية في آن واحد بما يساعد على تجفيف مصادر الفقر والفاقة التي تشكل بيئة مواتية لازدياد التطرف، مع العلم بأنه ليس كل أبناء سيناء مع ما يسمى التكفيريين هناك، بل قلة قليلة منهم جداً غرر بهم وخدعوا تحت مسميات ”الجهاد” وغير ذلك أما أغلبية ما يسمى بالتكفيريين الذين يقومون بأعمال الشغب والعنف ضد الجيش المصري فهم غرباء من دول أجنبية وعربية كما أشرنا قبل قليل.


باختصار: إن مصر مستهدفة الآن كما هي سورية مستهدفة ولاسيما بعد أن أبعد الشعب المصري جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة، مصر مستهدفة بشعبها وجيشها لإضعافها وإبقائها في إطار التبعية لأمريكا، والتصالح والتطبيع مع ”إسرائيل”،
لكننا على ثقة تامة ويقين راسخ، أن شعب مصر الشقيق يدرك أبعاد المخاطر المحدقة ببلاده، وقادر على تخطي الأزمة قبل استفحالها، ولاسيما أن الأملباستعادة مصر لوجهها الوطني والقومي قد تعزز، بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع ”محمدمرسي”، وسقوط مشروع الإخوان المسلمين في مصر…

 

وهذا ما أرق الدوائر الاستعماريةوأذنابها، فكان التصعيد الأخير للإرهاب على أرض الفيروز، ليقدم الدليل القاطع الذيتؤكده الوقائع، على أن العلاقة وثيقة ووطيدة بين مشاريع الغرب الاستعماري فيالمنطقة العربية، والإرهاب الدولي المتمثل بحركات التطرف الإسلامي، المنضوين جميعاًتحت لواء تنظيم القاعدة وفروعها، وتنظيم الدواعش التكفيري وأتباعه، وحزبالإخوان المسلمين الإرهابي ومؤيديه، المدعومين بالمجمل من الرجعية العربيةوالصهيونية العالمية والإمبريالية الصهيونية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى