القرآن والتراث./ المفكر العربي الكبير على محمد الشرفاء الحمادي

قال تعالى (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (البقرة: 134).. القرآن رسالة الإسلام تتصف بالديمومة ولا تتوقف آياته وتشريعاته عند عصر معين، ولكن آياته حية مستمرة بالتفاعل مع العقل البشري لينهل منها ما يحقق للمجتمعات الإنسانية بإتباع القواعد التشريعية التى يدعو لها القرآن الكريم من عبادات ومعاملات وفضائل الأخلاق من أمن واستقرار وتقدم فى سبيل النهوض بمستوى الحياة الكريمة عند الإنسان فى كل عصر

ولا يتوقف الاستنباط في آياته فى زمن معين لكل عصر ظروفه وطبائعه ووسائله التى تساعده فى التفكير واستنباط القوانين والضوابط التى تحفظ المجتمع وتمنع فيه العدوان وتجاوز الخطوط الحمراء من أجل الأمن والسلام الاجتماعى.

إن رسالة الإسلام هي دعوة للتفكر فى آيات الله وفى مقاصدها لخير الإنسان وتلك الدعوة هي  فريضة إلهية على كل إنسان مؤهل، علما ودراية باللغة العربية أن يمارس فريضة التفكر فى التعرف على مقاصد الآيات واستنباط القواعد والقوانين المنظمة لحياة المجتمعات فى التعايش السلمي لتحقيق التنمية من خلال العلم والقراءة واستجلاء حقائق الكون والتفكر فى ما خلق لتوظيفه فى خدمة الانسان وما يعود عليه بالخير ودعوة التفكر حيث يقول سبحانه (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ(190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) (آل عمران: 190-191) وقوله تعالى (كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس: 24) وقال تعالى (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) (النحل: 44) وقوله تعالى (كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (البقرى: 219)، وقال تعالى ( قُل هَل يَستَوِي الأَعمى وَالبَصيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرونَ) (الأنعام: 50).

تلك دعوة الله لعباده يأمرهم بتوظيف العقل فى التفكر والتدبر في القرآن الكريم فى كل ما يتعلق بشؤون الإنسان من العلم والمعرفة وما يساعده على وضع قواعد العدل والتشريع مستمدة من القرآن الكريم لتحقيق الحياة الكريمة للإنسان وأن من ساهم فى تعطيل التفكر عند العرب والمسلمين قد ارتكب جريمتين، الأولى أوقف فريضة إلهية  من الخالق بالتفكر وسوف يعاقب المتسبب في ذلك يوم القيامة عقابا عسير ومصيره جهنم وبئس المصير، والجريمة الثانية بتعطيل التفكر فى آيات الله ومقاصدها لخير الإنسان أدى إلى تخلف العرب والمسلمين عن ركب الحضارة الإنسانية التى كان من المفروض بما منحهم الله من كتاب مبين ودعوته للقراءة والتفكر والتعلم ليقودوا ركب الحضارة الانسانية لمجتمعات الرحمة والعدل والحريّة والسلام والتعاون بين الناس جميعا، حيث أن رسالة الإسلام جاءت لهدم الفكر الجاهلي المتخلف للارتقاء بهم من حالة البؤس والفقر والعوز والجهل إلى أن يكونوا أساتذة العالم وفى مقدمة  الأمم بالعلم والأخلاق والعدل والعمل الصالح لكل ما ينفع الإنسان وكانت ثورة بكل معنى الكلمة على الماضى المظلم، فجاء القرآن ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن عبادة الأصنام لتحريرهم منها لعبادة الله الواحد الأحد وقال لهم سبحانه ينبئهم بقوله (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) (الزخرف: 23). هكذا أراد لنا شيوخ الدين تعطيل فريضة التفكر وتعطيل نعمة العقل عن القيام بواجبه لقيادة العلم والفكر الذى بدونه تتخلف الأمم ويسهل استعمارها وسرقة ثرواتها واسترقاق ابنائها، وإذا أراد العرب أن تكون لهم مكانة مرموقة بين الأمم لابد من تحرير الفكر وفك ارتهانه لشيوخ الدين المتسلطين على عقله الذين يريدونه أن يعيش كالخفافيش فى الظلام مانعين عنه نور الله وكلماته يريدونه أن يظل مستعبدا للتراث الذى عطل تفكيره وحرمه من التقدم والتطور فإذا الخالق سبحانه يقول لرسوله (وَلَو شاءَ اللَّـهُ ما أَشرَكوا وَما جَعَلناكَ عَلَيهِم حَفيظًا وَما أَنتَ عَلَيهِم بِوَكيلٍ) (الأنعام: 107)، فإذا كان الله سبحانه حدد واجبات رسوله فلم يرسله وكيلا عنه على عباده فمن أعطى شيوخ الدين والمؤسسات الدينية أن تكون وصية على الاسلام؟ وأن يختزلوا حق الله للناس فى التدبر والتفكر فى آياته لخير الناس، لقد كان ذلك فى القرون الوسطى عندما أصبحت الكنيسة والكهنة يمتلكون السلطة الدينية ويحاكمون الناس على تفكيرهم ويحكمون عليهم بالتعذيب والقتل.

لقد انتهى ذلك الزمان لقد جاء الاسلام يحارب الظلم والعدوان والفساد والطغيان يحارب استعباد البشر للبشر يحارب الفكر المتحجر المنزوى فى الكهوف المظلمة جاء ليضيء ظلمة النفس ليحررها من طغيان الغرائز  والطمع والجشع جاء القرآن ثورة على التخلف ودعوة لتحرير الفكر والتأمل فى ملكوت الله وما خلق، جاء القرآن ليعطى دروسا عن الامم الماضية كيف سادت ثم بادت لأنها ظلمت الناس وافتقدت للرحمة والعدالة تلك هي رسالة الإسلام التى حاول اتباعه فى الماضى دفنها فى التراب ومازال بعض ادعياء الدين مستمرون فى وتغييب آيات الله وكتابه عليك الصلاة والسلام يا رسول الله وأنت تشتكى قومك لله بقولك (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ((الفرقان: 30) وقوله سبحانه (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)(التوبة:30).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى